السعادة
مدخـــل :
يختلف الناس اختلافا بينا في تمثلهم للسعادة،فمنهم من يقصرها على حسن العيش ورفاهته،وهناك من يقصرها على حسن السيرة من حياة معتدلة ومستقيمة،وكلما اضفنا امثلة نلمس حدة ذلك التباين..وقد نجد هذا الاختلاف لدى الفرد الواحد،لانه في حالة مرضه يرى السعادة في الصحة ،كما تبدو له في المال ان كان فقيرا..
يتبين ان التمثل العامي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي،اي الارضاء الحسي،ولهذا سنتقصى مختلف الدلالات الاخرى علنا نظفر بمعنى السعادة !!
الدلالة اللغویة :
جاء في لسان العرب، سعد،السعد،بمعنى الیمن، وسعد سعدا وسعادة فھو سعید، وسعد بالضم فھو مسعود وھو نقیض النحس والشقاوة.
الدلالة الفلسفیة:
مفھوم السعادة: في اللغة الفرنسیة Benheur،اما في اللغة اللاتينية Felicitas وفي الإنجلیزیة Happiness.
فالسعادة ضد الشقاء، وھي الرضا التام بما تنالھ النفس من الخیر. والفرق بین السعادة واللذة أن السعادة حالة
خاصة بالإنسان، وأن رضا النفس بھا تام، على حین أن اللذة حالة مشتركة بین الإنسان والحیوان،وأن رضى
النفس بھا لحظي. ومن شرط السعادة أن تكون میول النفس كلھا راضیة حسب معجم صلیبا أما عند لالاند فتحیل السعادة إلى حالة رضا تام تستأثر بمجامع الوعي
المحور الأول : تمثـــلات السعــــادة
الاشكال :
الاشكال :
هل للسعادة مدلول واحد ام تختلف معايير تمثلها؟
* أرسطــو :
يسعى الفيلسوف ارسطو لتحليل التمثلات المتداولة حول السعادة،موضحا في هذا الصدد ان رؤية العامي لطبيعة هي ابعد ما تكون عن رؤية الحكماء،بمعنى ان العامي يربط السعادة بما هو حسي ،فقد يراها المريض في الصحة،والفقير في الثروة،ولهذا فهو يفند هاته التصورات مبينا كونها طيائع عامية غليظة تختزل السعادة في اللذة.وما دامت السعادة مطلوبة لذاتها فإنها تصبح مرادفة للفضيلة التي يحددها "أرسطو" في الحكمة والاعتدال. فعن طريق التأمل العقلي يتم إدراك الفضائل وترجمتها على الصعيد العملي من خلال التوسط في الأمور أو عدم الإفراط والتفريط ، الأمر الذي يجعل السعادة رهينة بتحكم العقل والإرادة لكونها لا تتحقق إلا في إطار الفضيلة التي هي جد واجتهاد بدل أن تكون لهوا ومتعة ..
يسعى الفيلسوف ارسطو لتحليل التمثلات المتداولة حول السعادة،موضحا في هذا الصدد ان رؤية العامي لطبيعة هي ابعد ما تكون عن رؤية الحكماء،بمعنى ان العامي يربط السعادة بما هو حسي ،فقد يراها المريض في الصحة،والفقير في الثروة،ولهذا فهو يفند هاته التصورات مبينا كونها طيائع عامية غليظة تختزل السعادة في اللذة.وما دامت السعادة مطلوبة لذاتها فإنها تصبح مرادفة للفضيلة التي يحددها "أرسطو" في الحكمة والاعتدال. فعن طريق التأمل العقلي يتم إدراك الفضائل وترجمتها على الصعيد العملي من خلال التوسط في الأمور أو عدم الإفراط والتفريط ، الأمر الذي يجعل السعادة رهينة بتحكم العقل والإرادة لكونها لا تتحقق إلا في إطار الفضيلة التي هي جد واجتهاد بدل أن تكون لهوا ومتعة ..
* ابن مسكويه
یقدم ابن مسكویھ في كتابھ الشھیر "تھذیب الأخلاق و تطھیر الأعراق" تقریعا شدیدا لكل المنغمسین في
اللذات الحسیة و یعتبرھا شرا كبیرا ینبغي التحرر منھ، حیث أن ھؤلاء ینحدرون بھذه الملذات من مراتب الإنسانیة لیصبحوا أسیري الشھوات و أحط الحیوانات و أكثرھا بأسا، لذلك یربط ابن مسكویھ بین الأخلاق و التربیة لتحقیق السعادة، حیث نحصل لأنفسنا خلقا تصدر من خلالھ عنا كل الأفعال الجمیلة ، و نحقق السلوك الأخلاقي الفاضل الذي یعتبر الطریق الأول و الأخیر من أجل تحصیل السعادة الروحیة و المادیة على حد سواء یقول في هذا الصدد :"صار الإنسان إنسانا، بأفضلیة النفس الناطقة ولیس النفس البھیمیة التي ھي أخس النفوس، ولا النفس الغضبیة التي ھي أوسطھم، فبالنفس الناطقة شارك الملائكة، وباین البھائم، فأھل الكمالات یتفاضلون بعقولھم وسعة معارفھم".
* كـانـــط :
يرى كانط أن السعادة رغم كونها مطلبا لكل إنسان، فإن تحديدها يظل غامضا حتى بالنسبة للفرد الواحد الذي نجده غير قادر على صياغة تصور واضح ونهائي لسعادته الشخصية. والسبب يكمن في ارتباط السعادة بتمثلات حسية تختلف من شخص لآخر مثلما تتباين عند الفرد حسب الحالات التي يمر بها. ومن ثم يتعذر وضع مفهوم عقلي مطلق للسعادة، على غرار مفهوم الواجب مثلا، نظرا لاستحالة تحديد معنى أن يكون الإنسان سعيدا بشكل تام ومطلق، أي في حاضره وفي حياته المستقبلية كلها في ظل ارتهان السعادة برغبات حسية لامتناهية. وبناء عليه، يعتبر "كانط" أن السعادة هي مجرد مثل أعلى للخيال وليست مفهوما قابلا لصياغة عقلية تسمح لنا بتمثل صوري لها.
المحور الثاني : السعـي وراء السعـــادة
الاشكال
إذا كانت السعادة تعتبر غاية انسانية رغم الاختلافات الجوهرية في تحديد مضمونها أو ماهيتها،
الاشكال
إذا كانت السعادة تعتبر غاية انسانية رغم الاختلافات الجوهرية في تحديد مضمونها أو ماهيتها،
فما هي السبل الكفيلة ببلوغها في ظل تنوع المقاربات الفلسفية ؟
باي شكل تكون السعادة ممكنة ؟
* ابيقور
سعى الفیلسوف الیوناني أبیقور للبحث في مفھوم السعادة، ولمقاربتھا سعى إلى فھم نقیضھا وھو
الشقاء،فتجنب أسباب الشقاء والألم ھو الذي بإمكانھ أن یقودنا نحو السعادة، أن نبتعد عن القلق والأوھام و
التحرر من الخوف و الموت لأنھ لیس مبنیا إلا على خرافات و أساطیر.بالنسبة لأبیقور فتحقیق السعادة رھین بإشباع اللذات و مادام الإنسان عبارة عن روح و جسد فینبغي إشباع اللذات النفسیة حیث ینعم الإنسان بالطمأنینة و اللذات البدنیة و یتجنب الألم، لذا ینبغي على طالب السعادة أن یعتبر اللذة غایة كاملة، و أن لا یولي علیھا شیئا آخر، ما دام أن تحقیقھا كفیل بتجنیب الجسم الألم و النفس الاضطراب، على أن اللذات المقصودة لا تتعلق بالجسم فقط، بل إنھا تشمل الجسم و النفس على حد سواء،حیث أن السعادة ھي أساس الحیاة و غایتھا، یقول أبیقور"إن اللذةھيٌبدایةالحیاةالسٌعیدةوغایتھا " إن اللذات ھي التي بإمكانھا إبعاد الألم و الإضطراب عن الجسم و النفس.
*سينيكا
إنالإنسان السعیدعند الرواقیینعكس الأبیقوریةھو القادرعلى التحررمن سلطةالرغبات والأحاسیس
ومطالبالعضویة البیولوجیة(الغریزة مثلا)، وھوما یحققللمرء الطمأنینة (الأتراكسیا) التيتعتبر منتھىالحكمة والسعادة عند الرواقیین،فالإنسان السعیدحسب سینكاھو العارفبحقیقة ذاتھوالذي یجیداستخدام عقلھ،ویوجھ حیاتھ توجیھاأخلاقیا مستقیمامتحررا منالجسد، فأساسالسعادة عندسینكا ھوالعقل السلیم،فالمرء یكونسعیدا كلما أسندتدبیر حیاتھووجوده للعقلوفي ھذاالصدد یقولسینكا "نكون سعداءإذا قبلنابحاضرنا مھماكان وإذا أحببناما نحنعلیھ، ونكونسعداء أخیراعندما نتركللعقل مھمةتدبیر جمیعما یتعلقبوجودنا" ویضیف سینكا"إننا نسمي الإنسان سعیداإذا كانمدركا لحقیقتھومتحررا منسیطرة الرغباتوالأحاسیس" فالمرء الخاضع لأحاسیسھ ورغباتھعند سینكاھو شبیھبالبھیمة إلاأن مایمیزھا عنھھو افتقارھاللعقل وھویملكھ ویسيء استخدامھ.
* روسو :
تمثل حالة الطبيعة عند "روسو" تجسيدا للسعادة الحقيقية لأن الإنسان كان يعيش في انسجام تام سواء مع ذاته أو مع الطبيعة، فلم يكن يعرف الحرمان والشقاء نظرا لما كان يتميز به من قناعة بالعيش البسيط، ولأن خيرات الطبيعة كانت كفيلة بإشباع حاجياته التي لم تكن تتجاوز حدود ما هو ضروري للحياة..فالإنتقال إلى الحياة المدنية الاجتماعية هو الذي سيخلق لدى الإنسان مطالب جديدة هي عبارة عن كماليات سرعان ما تحولت بفعل التعود عليها إلى حاجيات ضرورية أصبح الإنسان يشقى إذا افتقدها دون أن يكون سعيدا حين يظفر بها، ولذلك لم يعد أمام الإنسان سوى الحنين إلى الماضي السعيد مادام سعيه وراء السعادة في حالته الراهنة هو في الحقيقة سعي وراء الشقاء.
* هـــيــوم :
يرى هيوم أن الإحساس بالسعادة أو الشعور بالشقاء يرجع، من جهة أولى ،إلى رهافة الإحساس التي تميز بعض الناس فتجعلهم يفرحون أمام الأحداث الطيبة ويحزنون إزاء ما يناقضها من وقائع؛ ومن جهة أخرى إلى ما يتصف به البعض الآخر من رهافة الذوق التي تقف وراء التمتع بكل ما هو جميل والنفور من القبيح. وما دامت دائرة السعادة أو الشقاء تتسع أو تضيق في علاقتها برهافة الإنسان الحسية والفنية، يدعو "هيوم" إلى تهذيب الذوق الجمالي كسبيل يتيح التقليص من مساحة التعاسة والألم ويفتح آفاق الاقتراب من السعادة. فالسمو بالذوق الفني هو الذي يمكن الفرد من اختيار المجالات والمواضيع الجمالية الأكثر قدرة على خلق الشعور بالسعادة سواء كانت إبداعات شعرية أو موسيقية أو تشكيلية.
المحور الثالث : السعــادة والواجـــب
هل تتحقق سعادة الانسان بصورة ذاتية أم تتبلور في سياق ارتباطه بالغير؟
وبأي معنى تصبح السعادة واجبا نحو الذات وتجاه الآخرين ؟
* برتراند راسل :
يرفض الفيلسوف راسل الإعتقاد الذي ينساق وراءه معظم الناس والقائم على ربط السعادة بالمتعة المادية التي تتحقق من خلال تتبع صيحات الموضة أو ممارسة مختلف الهوايات ، حيث يعتبر هذه الأنشطة مجرد وسائل للهروب من الواقع وما ينطوي عليه من تعاسة وألم. فالسعادة الحقيقية تنمو في إطار العلاقات الإنسانية حيث تنفتح الذات على الأغيار الذين يرتبطون بها وتبدي اهتمامها بهم من خلال مشاعر التقدير والمحبة التي ينبغي أن تظل تلقائية طبيعية لا تبلغ حد الإفراط الذي يحولها إلى مصدر للتعاسة، كما لا يجب أن تنبثق من مبدأ الواجب وفكرة التضحية بالذات. فالحب الذي نبديه تجاه أكبر عدد من الناس، من غير تكلف ودون انتظار المقابل، هو أعظم مصدر للسعادة الشخصية.
* إميل شارتيي
يؤكد الفيلسوف شارتيي على أن إمكانية حصول السعادة رهين بسعي الفرد في طلبها مهما بلغت شدة الصعوبات التي قد تقف في طريقه. فبدل الاستسلام للمعيقات الخارجية، أو الإقرار بالهزيمة أمام العوامل المثيرة للسخط و للاستياء، يظل واجب الإنسان تجاه ذاته هو المثابرة في طلب السعادة لأنه بدون توفر الإرادة والرغبة ينعدم الأمل في بلوغها. يقول "الامل في السعادة هو السعادة " وهذه السعادة التي يحصل عليها الفرد من أجل ذاته غالبا ما تجعله محبوبا داخل المجتمع، حيث يجد فيه الآخرون صورة نموذجية للحياة الاجتماعية المرغوب فيها أو التي تخلو من أسباب التعاسة، وبذلك يكون إسعاد الذات أفضل هدية وأعظم واجب نحو الغير.
0 التعليقات :
إرسال تعليق