فروض عديدة مع عناصر الاجابة السنة 2 باك





                                                                                                                                         ذ : كمال الزيان

عناصر الإجابة الممكنة للامتحان التجريبي لمادة الفلسفة 


* الموضوع الأول :

إلى أي حد يمكن أن يتجاوز الحق والعدالة كل عنف غير مشروع ؟

يندرج هذه السؤال في إطار الإشكالات التي تطرحها مجزوءة السياسة ،خاصة مفهوم العنف ،ورغم حضور كل من مقهومي الحق والعدالة إلا أن هذا السؤال الإشكالي لا يرتبط بالإشكالات المدرجة في المحاور الثلاث لدرس الحق والعدالة : أي المحور الأول، الحق والعدالة ثم العدالة باعتبارها حقا وكذلك المحور الثالث العدالة بين الإنصاف والمساواة كما ينأى السؤال عن مفهوم الدولة ويشير إلى المحور الثالث: العنف والمشروعية .

يتضمن السؤال قيد التحليل على أربعة مفاهيم أساسية وهي الحق والعدالة بالإضافة إلى مفهومي العنف ، ويقص بالأول ، أي الحقle droit ، نقيض الباطل ،كما يدل على الثبات ،وقد يعني مطابقة الحكم للواقع ،وهو بذلك يرتبط بالحقيقة .وفي معنى آخر يدل على القواعد العقلية التي توجه تصرفات الإنسان في علاقته مع ذاته والغير ..كما يمكن تقسيم الحقوق إلى حقوق طبيعية ترتبط بطبيعة الإنسان كالحرية وحقوق وضعية للإنسان ، تم التعاقد عليها بعد الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن كالحق في الملكية وحق التصويت ...وظهرت هذه الحقوق مع كل فلاسفة الحق الطبيعي كهوبز وروسو ولوك.. أما المفهوم الثاني فهو مفهوم العدالة la justice ويعني هذا المفهوم لغة الاستقامة وقد اعتبرها بعض الفلاسفة ملكة في النفس تمنع الإنسان من الرذائل وهي إعطاء كل ذي حق حقه ، أو الوسطية بين الإفراط والتفريط ...أما المفهوم الثالث فهو مفهوم المشروعية ( مشروع Légitime ) وهو الحالة التي تكون فيها الحقوق الإنسانية هي المحدد الأول للعلاقات الإنسانية وليس العنف la violence الذي اشتق من الكلمة اللاتينية violentia أي الإسراف في استعمال القوة على الطبيعة أو على الأفراد ومحاولة إخضاعهم ،وقد ميز السوسيولوجي الفرنسي المعاصر بيير بورديو بين نوعين من العنف ، عنف مادي قد يتم على مستوى الجسد وعنف رمزي قد يكون مجرد نظرة دونية للآخر أو عبر الكلام الجارح أو عنف رمزي يمرر عبر عميلة نقل المعرفة كالإيديولوجيات أو عنف التي تمارسه وسائل الإعلام على المشاهد.

يمكن التمييز إذن بين نوعين من العنف ، عنف مادي وعنف رمزي ، كما يمكن أن نجد أنواعا أخرى من العنف فما هي ؟ وإلى أي حد يمكن أن يكون العنف مشرواعا ؟ وإذا أمكن أن يكون هذا العنف مشروعا فهل يمكن تجاوز العنف غير المشروع عن طريق الحق والعدالة ؟

للجوابا عن الأسئلة الإشكالية المطروحة في التقديم يمكن الإشارة إلى أنه إذا كان بيير بورديو يشير إلى نوعين من هما العنف المادي والعنف الرمزي ،فيمكن الإشارة إلى نوعين آخرين من العنف هما العنف المشروع والعنف الغير المشروع كما أشار إليه السؤال ، ويمكن أن نجد الأول إما داخل الدولة أو داخل الأسرة حيث أنه وفي كثير من الأحيان نجد الدولة تتدخل بالعنف للحفاظ على النظام ولكي لا تدب الفوضى في المجتمع أما الثاني فقد يكون في حالة ما إذا كان هناك شطط في استعمال القوة .

يتوافق هذا الموقف مع موقف السوسيولوجي الألماني ماكس فييبر الذي أشار إلى أن الغاية من تأسيس الدولة ،إنما هي الحفاظ على الأمن ، ووسيلتها لذلك هي العنف المادي المشروع ،حيث اعتقد ،هذا الأخير، أنه ( العنف المادي ) أنجع وسيلة في يد الدولة لكن ليس وسيلتها الوحيدة بل المتميزة، إذ أنه لا بد –حسب فيبر- أن تكون للدولة آليات لقهر الأفراد وإخضاعهم لسلطتها ، ويشير فيبر إلى أن الدولة ليست وحدها فقط تمتلك ذلك العنف بل إن لها أجهزة يمكنها أن تساعدها على حفظ النظام ومثال على ذلك الأجهزة الأمنية من عسكر وشرطة...

في مقابل أطروحة فييبر التي تقر بمشروعية العنف ، بغض النظر عن الحق والعدالة ، يمكن أن نجد أطروحة محايدة تجيبنا عن مدى مشروعية العنف وفي هذا الصدد يمكن الاستئناس بأطروحتي الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط والزعيم السياسي الهندي غاندي اللذان اتفقا ،رغم اختلاف منطلقاتهما، على أن العنف لن يكون مشروعا نهائيا ، إذ أشار كانط إلى أن العنف فعل غير أخلاقي ، ولا داع لاستعماله ، ويُرجع سببه إلى أن الدولة دائما تتدرع بالحفاظ على النظام لتعنف الشعب ، أما الأفراد فيتدرعون بالمعاملة غير ألائقة للدولة لهم، لذلك يلجؤون إلى العنف ضدا على هذه الدولة ، وفي إطار هذه العلاقة الجدلية بين الدولة والأفراد فلن يكون للفعل الأخلاقي أي وجود، لذلك يدعو كانط إلى تجاوز كل أشكال العنف كيفما كان نوعها ،وهذا ما دعا إليه حتى الزعيم السياسي غاندي بالهند ،حيث دعا الشعب الهندي إلى مواجهة الاستعمار البريطاني للهند ، بالعصيان المديني ، الروحي عود استعمال العنف المادي .

إن كل هذه المواقف تجيبنا عن إشكالية مدى مشروعية العنف لكنها لم تقدم لنا الحل الفعال لتجاوزه ،لذلك فما هي الحلول التي يمكن أن تقدم لتجاوز العنف غير المشروع ؟

غني عن البيان أن الأطروحة المناسبة للجواب عن هذا السؤال والتي يمكن أن تقدم لنا حلا لتجاوز هذا الإشكال ، هي أطروحة الفيلسوفة الفرنسية المعاصرة جاكلين روس التي رأت في كتابها نظريات السلطة أنه لتجاوز العنف ،كيف ما كان نوعه ، يجب علينا أن نؤسس لدولة الحق والقانون ، التي تضمن للناس كل حقوقهم سواء الطبيعية أو المدنية السياسية ، كما تساوي، هذه الدولة،بين كل الناس فلا أحد يعلو على القانون كيف ما كان مركزه ، وتقسم جاكلين روس أسس الدول التي يمكنها أن تتجاوز العنف عن طريق الحق والعدالة إلى ثلاثة أسس رئيسة هي : الحق الذي يجب أن يعطى لكل الناس ، ثم القانون الذي ينبغي أن يعلو على كل الأشخاص ويكون فوق كل اعتبار ، ثم فصل السلط الذي يمنع كل هيمنة أو تسلط من قبل أي جهة و يخلق نوعا من الحوار بين الشركاء داخل المجتمع ويفصل بين مهام السلطة التشريعية التي تسن القوانين والسلطة التنفيذية التي تنفذها ،لكي لا تكون السلط التشريعية هي المشرع والمنفذ ، أو هي القاضي والجلاد...

إذن ، عن طريق الحق والعدالة بالإضافة إلى القانون ، يمكن تجاوز العنف غير المشروع ،حسب جاكلين روس والبحث عن الحلول التفاوضية السلمية كما أشار إلى ذلك كل من كانط وغاندي ، لكن يمكن أن تكون أطروحة جاكلين روس أكثر مصداقية حيث أنه عن طريق الحق والعدالة تستطيع الدولة تجاوز العنف غير المشروع وتحد من استعمالها له ، لكنها لا تستطيع التخلي عنه لأنه سيبقى الوسيلة الأنجع لحفظ النظام وجعل الأمور تبقى في إطارها المشروع وإلا سوف يرجع الإنسان إلى الحالة البدائية وكل سوف يدافع عن حقه بيده مما سيخلق صراعا بين إرادات مختلفة متصارعة وسيغيب التواصل الإنساني .


* الموضوع الثاني :
" كل جهاز من أجهزة الدولة ،سواء كان قمعيا أم إيديولوجيا ،يشتغل ويؤدي وظيفته بالعنف وبالأيديولوجية في نفس الوقت. " إشرح مضمون القولة،ثم بين أبعادها.

تندرج هذه القولة في إطار مجزوءة السياسة ،خاصة مفهومي الدول والعنف المحاور المتعلقة بمشروعية الدولة، والدولة بين الحق والعنف والمحور الثالث بمفهوم العنف: العنف والمشروعية بشكل عرضي.

ما فتئ المتأمل بالتنين أي الدولة كما نعتها الفيلسوف الإنجليزي هوبز يجد أن هذه الأخيرة لديها عدة مقومات تقوم عليها كما أن لها مجموعة من الأجهزة تؤدي وظائفها بها كي تعتبر دولة ، بما في ذلك الأجهزة الأمنية التي ترتبط بالعنف ، والإعلامية التي تخدم هذه الدولة عن طريق الإيديولوجية أو عبر التعليم لإثبات مشروعيتها ، لكن هل هذه الأجهزة الأمنية العنيفة ، والإعلامية المؤدلجة وحدها تؤدي وظيفة الشرعنة للدولة أم أن هناك وسائل أخرى كالحق والقانون ؟ وإلى أي حد يمكن أن يكون العنف الذي تمارسه هذه الدولة عنفا مشروعا ؟

تنطلق القولة من أطروحة مفاده أن الدولة متمثلة بأجهزتها تمارس مشروعيتها عن طريق العنف والإيديولوجية في نفس الوقت ، وتطرح لنا ثلاثة مفاهيم رئيسية هي الدولة والعنف والإيديولوجية ويقصد بالدولة L’Etat ذلك التنظيم السياسي والاجتماعي والقانوني، كما أنه قد يعني الهيأة التي تسمو على مجموع الإرادات، ولتشكيله لا بد أن تتوفر هذه الشروط : المواطنون ، ومنطقة جغرافية، بالإضافة إلى الشخصية المعنوية (الحاكم) ،ثم قانون منظم والاستقلالية. أما المفهوم الثاني فهو العنف la violence الذي اشتق من الكلمة اللاتينية violentia أي الإسراف في استعمال القوة على الطبيعة أو على الأفراد ومحاولة إخضاعهم ،وقد ميز السوسيولوجي الفرنسي المعاصر بيير بورديو بين نوعين من العنف ، عنف مادي قد يتم على مستوى الجسد وعنف رمزي قد يكون مجرد نظرة دونية للآخر أو عبر الكلام الجارح أو عنف رمزي يمرر عبر عميلة نقل المعرفة كالإيديولوجيات أو عنف التي تمارسه وسائل الإعلام على المشاهد.أما المفهوم الثالث فهي الإيديولوجية Idiologie والتي تتكون في الدلالة الاتينية من شقين Idée وتعني الفكرة و logie التي ترتبط باللوغوس أي العقل والعلم، لكن هذا المفهوم سوف يعبر عنه بشكل سلبي خاصة مع الفلسفة الماركسية التي اعتبرته كل فكرة تريد تزييف الواقع وتضلل الناس .

وقد أتت القولة على شكل تأكيد على تلك المشروعية المستمدة من كل من المفهومين العنف أي استعمال القوة والإيديولوجيا أي تزييف الواقع ولمناقشة هذه القولة يمكن إدراج أطروحة السوسيولوجي الألماني ماكس فييبر الذي أشار إلى أن الغاية من تأسيس الدولة ،إنما هي الحفاظ على الأمن ، ووسيلتها لذلك هي العنف المادي المشروع ،حيث اعتقد ،هذا الأخير، أنه ( العنف المادي ) أنجع وسيلة في يد الدولة لكن ليس وسيلتها الوحيدة بل المتميزة، إذ انه لا بد –حسب فيبر- أن تكون للدولة آليات لقهر الأفراد وإخضاعهم لسلطتها ، ويشير فيبر إلى أن الدولة ليست وحدها فقط تمتلك ذلك العنف بل إن لها أجهزة يمكنها أن تساعدها على حفظ النظام ، لكن الاختلاف الحاصل بين أطروحة القولة وأطروحة ماكس فيبر هو أن هذا الأخير لم يشر إلى الإيديولوجيا .

يتعارض هذا الموقف المؤيد للأطروحة القولة مع أطروحات فلاسفة الحق الطبيعي أي اسبينوزا وهوبز ولوك وروسو ..خاصة أطروحة "باروخ اسبينوزا" الذي أشار في كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة إلى أن الدولة لم تتأسس لترهيب الناس أو تخويفهم ،أو جعلهم كالآلات الصماء ،أو أن تمنعهم من حق التفكير والحكم، وإنما أسست لضمان حريتهم وأمنهم وحماية حقوقهم الطبيعية، كالحق في الحياة والحق في العمل ...وهذا ما أشار إليه الفيلسوف البريطاني " توماس هوبز" في كتابه التننين و الذي أكد أطروحة باروخ اسبينوزا حيث رأى أن الإنسان عرف حالة انتقال من حالة الطبيعة إلى حالة التمدن ،وما دام أنه في حالة الطبيعة كان هناك صراع الكل ضد الكل وأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان فقد تم إنشاء الدولة ، بتعاقد كل الأفراد مع شخص واحد هو العاهل ليضمن حقوقهم ، شريطة التنازل عن حق الدفاع عن أنفسهم لصالحه ،فيتكفل بحمايتها بدلا عنهم ، كما يمكنه أن يوحد كل إراداتهم المختلفة والمتصارعة . إذن ، تستمد الدولة مشروعيتها حسب هوبز و اسبينوزا من خلال تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع شريطة ترك للدولة وحدها السلطة للتنظيم أو ردع الأفراد. من هنا نجد أطروحة السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر تؤيد أطروحة القولة .

.إن هذا الموقف-أي موقف القولة وماكس فيبر- يتعارض مع عدة مواقف فلسفية من بينها موقف الفيلسوفة الفرنسية جاكلين روس حيث ذهبت هذه الأخيرة في كتابها "نظريات السلطة " إلى القول: إن العنف ليس دائما هو السلطة التي يمكن أن تمتلكها الدولة لتنظيم المجتمع وخلق السلم بل هناك وسائل أخرى وهي الحق والقانون ،لذلك نجد جاكلين روس تتحدث في كتابها عن دولة الحق والقانون المتميزة بمجموعة من الصفات من بينها: أن تكون-في هذه الدول- حقوق الإنسان وكرامته فوق كل شيء كما يكون فيها كل الناس خاضعين لسلطة القانون مهما كان شأنهم في المجتمع ، وقد أشارت هذه الفيلسوفة إلى أن دولة الحق والقانون تتميز بثلاثة خصائص ذكرنا خاصيتين هما الحق والقانون ثم فصل السلط .

لا يوجد أي شرعية للعنف ولن يكون مشروعا مهما كانت مبرراته هذا رأي جاكلين روس كما أنه رأي الفيلسوف الألماني كانط ،الذي حاول أن يتجاوز كل أشكال العنف التي يمكن أن تحدث بين الأفراد والدولة ،حيث أنه في كثير من الأحيان قد تكون هناك أشكال للمعارضة العنيفة ،لكنه أدانها واعتبرها جريمة لأنها تهدم أساس الحكم ، كما أشار إلى أنه لا ينبغي على الشعب أن يشرع للقوانين نفسه بنفسه لأن التشريع خاص بالحاكم كما لا ينبغي عليه –الشعب –أن يثور على السلطة العليا لأن هذا يؤدي دائما إلى الفوضى .

إن دعوة كانط-هذه ليست دعوة للحكم الجائر أو الاستبدادي وإنما هي دعوة لإحلال السلام، ذلك أن القيمة التي تضيفها لنا هذه الأطروحة هي نبذ كل أشكال العنف على اعتبار أنه دائما يكون في المجتمع أفراد حاقدين على السلطة يبررون عنفهم اتجاهها بالمعاملة غير اللائقة من طرفها، كما أن الدولة في بعض الأحيان تلجئ للعنف تحت ذريعة حفظ الأمن . .

وإذا كان هنا كانط ينبذ كل أشكال العنف فهذا ما أشار إليه كذلك الزعيم السياسي الهندي غاندي في رسائله إلى أشرم ( أحد الزعماء السياسين ) حيث رأى ،هو الآخر أن العنف ما هو إلا إرادة سيئة تسعى إلى نشر الكراهية والحقد بين الناس وإلحاق الضرر بمن نعتبرهم خصوما ،وقد دعا إلى مواجهة كل أشكاله،-بما في ذلك عنف الاستعمار البريطاني للهند- بالا عنف حيث قال : إنه مستعد للدفاع عن أرضه ويفل سيف العدو ليس بقوة فيزيائية بل بقوة روحية اخلاقية ".

اختلفت ، إذن تصورات الفلاسفة حول مشروعية العنف الذي تمارسه الدولة وأجهزتها على الأفراد سواء كان هذا العنف ماديا ظاهرا أو رمزيا مختفيا على شكل فكرة مزيفة كما أشارت إلى ذلك القولة لكنهم لم يختلفوا حول مسالة أن الغاية من تأسيس الدولة هي الحفاظ على حقوق الناس وكرامتهم لذلك فإن الغرض الأساسي الذي يجب على كل الدول أن تنهجه هو حفظ كرامة الناس وأن تستعمل هذه الدولة أجهزتها الإعلامية ، وإيديولوجياتها، ليس لتزييف الواقع وإنما لتغييره إلى الأحسن ولا مانع من عنفها إذا كان لصالح خير كل الناس ،وأن يكون هؤلاء على وعي بهذا التغيير العقلاني .


الموضوع الثالث :
يندرج النص في إطار مجزوءة السياسة ، مفهوم العنف ،خاصة محور العنف في التاريخ وأشكال العنف ، وإذا كان العنف هو الإسراف في استعمال القوة على الطبيعة والإنسان..فما هي أسباب وجوده في التاريخ ؟ وهل يمكن اعتبار العنف فطري في الإنسان أم أنه مكتسب ؟

يشير النص إلى أطروحة مفادها أن العنف شيء مكتسب ، وذلك لأنه عرف تغيرا عبر التاريخ ،كما أنه يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر .أما بالنسبة لسبب وجوده -أي العنف- فقد أكد صاحب النص أنه لما كان شرف الرجل يتوقف مباشرة على شرف أسرته في كثير من المجتمعات قبل الحديثة ،فإن هذا ما استوجب التمسك التاريخي به مهما كان الخطر المترتب عن ذلك .

وقد أعطى صاحب النص تصورا تاريخيا تتبع من خلاله أشكال العنف وتطوره عبر التاريخ ، حيث أن هذا الأخير كان في المجتمعات الأبوية ؛ أي المجتمعات التي تكون فيها السلطة في يد الأب بصفة خاصة والرجل بصفة عامة ، موجها ضد النساء لأنهن كن مثل أي منقول من المنقولات التي توجد بحيازة ، الرجل ، لكن هذا العنف قد تغيرت طبيعته ، من خلال أن الرجال لم يصبحوا يعاملون المرأة ،خاصة المرأة الفاضلة ، كبضاعة بل أصبح يُتعامل معها باحترام ومودة ، ومن هنا انتقل العنف من عنف على المرأة إلى عنف على الرجال .

هذا العنف سيزيد بظهور ما سماه صاحب النص بالدفاع عن الشرف الذي ارتبط بالمرأة التي انتقلت من منقولة من المنقولات إلى فرد من الأسرة ،هذه الأخيرة إذا ما تم تلويث شرفها ،سقطت سمعتها..وهذا ما دفع بالرجال –حسب صاحب النص- للدفاع عن هذا الشرف عبر التاريخ خاصة في المجتمعات القبيلة العصبية التي يتوقف شرفها على شرف المرأة .

ويرى صاحب النص أن هذه الممارسات العنيفة قد قلت في الأزمنة الحديثة ،على نطاق عالمي ، وبدأت الجهود للحد منه ، وذلك عن طريق دعوات إحلال السلم خاصة في الدول المتقدمة .

وقد قدم لنا النص قيمة تاريخية تتمثل في رصد تطور مفهوم العنف ، وهذا يبدو واضحا من خلال إعطائه مجموعة من الأمثل المختلفة باختلاف فترات التاريخ ، المتعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الأبوية التي كان يسيطر فيها الرجل على المرأة نفسيا وجسديا ، ثم العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات القبلية التي أصبح الصراع فيها بين الرجال على شرف الأسرة وصولا إلى المجتمعات الحديثة التي بدأ العنف ، وكل أشكال السيطرة تتضاءل ، بالإضافة إلى الأمثلة المقدمة ،التي تعد كبنية حجاجية ، فقد استعمل صاحب النص أساليب أخرى تتمثل في تحديده (تعريفه) لمجموعة من المفاهيم كالعنف الذي اعتبره كآلية عقاب مهمة في يد السلطة الأبوية وقلما كان في يد غيرها ثم مفهوم الشرف الذي يعد السبب الرئيس لاستمرار العنف في التاريخ والمرتبط بالدفاع عن المرأة من طرف الرجل ضدا على رجل آخر..كما أدرج صاحب النص مجموعة من التقابلات المتعارضة فيما بينها كالعنف والمودة والحب..ثم تفسيره لمجموعة من الأمور المتعلقة بالعنف في المجتمعات ...

وإذا كان صاحب النص يقر بأن العنف مكتسب وغير فطري ،فإن السوسيولوجي الألماني إيريك فروم لم يشُد عن هذا الموقف ، إذ نجده يساير هذا الطرح ، حيث ذهب إلى اعتبار أن التدمير ليس سلوكا ينتج بصفة عملية عن غريزة تدميرية توجد في طبيعة الإنسان بقدر ما ينتج عن دوافع ونزعات خارجة عن ذاته وفطرته ،هذه العوامل هي عوامل خارجية رافقت الإنسان عبر التاريخ ، وارتبطت بأبعاد ثقافية ودينية .

وقد أشار "فروم إلى بعض هذه العوامل مثل؛ الارتباط القدسي بالدم ، وتعطش الإنسان له واعتباره مادة الحياة ،حيث كانت عدة شعوب تتلذذ برؤية الدم وتضفي على هذه الطقوس قدسية ، وهذا ما أدى إلى ظهور العنف ، كما قدم "فروم " بعض العوامل الموضوعية تمثلت في الحروب والنزاعات الدينية والسياسية والفقر والازدحام السكاني بالإضافة إلى الروتين وفقدان قيمة الفرد ...كل هذه العوامل ساهمت في شحن الطاقة التدميرية للإنسان وجعلت العنف يستمر عبر التاريخ .

خلافا لهذا الموقف الذي أيد صاحب النص يمكن الإشارة كذلك إلى أطروحة أخرى معارضة ، وهي أطروحة العالم الفيزيولوجي "كونراد لورنتز " الذي رأى أن العنف ، شيء فطري في الإنسان ، بل إن عنفه يفوق عنف الحيوان ؛ فالحيوان لديه قوى كابحة للعنف تجعل منه يكتفي بهزم خصومه وطردهم من منطقته دون قتلهم ، لكن الإنسان تعوزه هذه القوة الكابحة ،لذلك نجده لا يكتفي فقط بإخضاع خصومه فقط بل قد يصل إلى مستوى الإبادة .

وجوابا عن السؤال الإشكالي المتعلق بالسؤال الأول الذي أشرنا إليه في التقديم حول أسباب العنف في التاريخ والذي أجابنا من خلاله صاحب النص، والذي حددها في الدفاع عن الشرف ،فيمكن الاستئناس بأطروحتين مختلفتين ، أطروحة الفيلسوف الماركسي " فريدريك إنجلز " والسوسيولجي الفرنسي " روني جيرار " ، حيث أشار الأول إلى أن أسباب استمرار العنف في التاريخ هي ، الصراع الطبقي الذي يدفع دائما بالتاريخ نحو التقدم ، مرورا بالصراع بين العبيد والأسياد كمرحلة أولى هي مرحلة العبودية مرورا بالصراع بين الأقنان والإقطاعيين في المرحل الإقطاعية ثم المرحل الثالثة التي يكون فيها الصراع بين البرليتاريا ، أي الطبقة العمالية والبرجوازية في المرحلة الرأسمالية ، وأخيرا، الوصول إلى الاشتراكية التي تمحي خلالها الطبقات.

وقد أشار " إنجلز " إلى نوعين من العنف هما العنف السياسي والعنف الاقتصادي " هذا الأخير هو الذي يحدد دائما الثاني .

وإذا كان" إنجلز " أشار إلى أن أسباب العنف في التاريخ ناجمة عن الصراع الطبقي ، فإن " روني جرار أشار إلى أطروحة معارضة لأطروحته –أنجلز – ومؤيدة ،نوعا ما لأطروحة النص ، حيث أكد على أن أسباب العنف ليست اقتصادية ،وإنما هي الرغبة التنافسية الموجودة في الإنسان ،حيث إن الرغبات الإنسانية هي دائما رغبات تتجه إلى موضوعات يرغب فيها ناس آخرون ، بل الأكثر من ذلك ،كلما كان هناك موضوع ما يرغب فيه الآخرون بشدة كلما ازدادت رغبتنا فيه نحن أيضا ..ومنه يصبح التنافس صراعا شخصيا وتتنامى احتمالات العنف ،لأن الصراع الإنساني هو بالأساس صراع ناجم عن التنافس ...

إن سبب تنامي العنف واستمراره في التاريخ البشري يرجع –حسب جيرار " إلى خاصية أساسية تميز التنافس البشري عن التنافس الحيواني ،فلدى الحيوان قد ينتهي التنافس بمجرد سيطرة الأقوى على الأضعف .أما لدى الإنسان فالأمر مختلف ، لأن الناس لا يخضعون تلقائيا ،بل يمارسون عنفا لا ينتهي ، إذ حتى لو انهزموا فإنهم يؤجلون الانتقام ، إلى حين يقومون به هم أنفسهم في المستقبل ،أو يورثونه لأبنائهم أو الأجيال اللاحقة ، كما تفعل بعض المجتمعات التي تسمي هذه العملية بالثأر ،حيث يتحول العنف إلى قضية جماعية وإلى عنف معد ينتشر من فرد لآخر ومن جماعة لأخرى ..وهذا ما يؤدي إلى مذابح جماعية تولد بدورها رغبات جديدة في الانتقام .

ومن بين الحلول التي توصلت إليها البشرية لوقف هذا العنف ، والتي أشار إليها جيرار-لجأ الناس إلى التضحية بأضحية "حيوانية أو بشرية بهدف إسقاط العنف الجماعي عليها حتى تنعم الجماعة بالسلام ، تم نقل العداء إلى ضحية واحدة حاملة لكل الرغبات المتنافسة والتي تجسد –رمزيا –موضوع كراهية جماعية فالفدية المضحى بها تُضفى عليها صبغة العدو المشترك .وبذلك يتم إيقاف الصراع بين الطوائف ..إن هذا السلوك هو أصل كل الطقوس التعبدية القديمة وآخر ما يدل عليها في الزمن المعاصر هو ما يصطلح عليه بكبش الفداء .

من خلال تحليلنا ومناقشتنا لهذا النص ، ومن خلال عرض الأطروحات المناقشة ، يمكن اعتبار أطروحة روني جرار ، أطروحة أكثر واقعية ، حيث إذا نظرنا إلى قيمتها التاريخية فإنها قدمت لنا تصورا مقنعا أكثر حول مسألة أسباب استمرار العنف في التاريخ .

فإذا نظرنا إلى أطروحة النص فيصعب حاليا أن نقول إن أسباب العنف في التاريخ هي الدفاع عن شرف المرأة لأن هذا الأمر قد يحدث فقط في المجتمعات القبلية .. كما أنه قد يكون الصراع الطبقي هو سبب العنف-كما أشار " إنجلز- لكنه ليس دائما لأن المجتمعات التي تكون فيها الخيرات والموارد الطبيعية كثيرة لا يمكن لها أن تعرف الصراع الطبقي –دول الخليج مثال على ذلك- أما بالنسبة لأطروحة جيرار فإن أسباب العنف هي التنافس الحاصل بين الأفراد والدول .وهذا صحيح حيث أن ما وقع في التاريخ من صراع بين الطوائف الدينية ومحاولة انتقام كل طائفة من الأخرى هو ما دفع باستمرار العنف في التاريخ.. وخير مثال على ذلك الصراع التاريخي الذي حدث وما زال يحدث في العراق بين السنة والشيعة ..والبروتيستانيين والكاتوليك في الغرب ..المسلمين والمسييحيين...المسيحيين والمسلمين...اليهود والمسلمين في العالم ...الرفاق الماركسيين ..والإسلاميين...

إن اعتقاد كل هؤلاء في وجود حقيقة واحدة هو سبب العنف ،وهذا ما دفعهم إلى التمسك التاريخي به ومحاولة انتقامهم ، ليس من بعضهم البعض فقط بل ، إن عنفهم هذا طال أناسا أبرياء .وإذا كنا هنا وقفنا على أسباب العنف في التاريخ ، فالسؤال الحقيقي ليس هو ما هي أسباب العنف ؟ ولكن السؤال الحقيقي والذي ينبغي طرحه هو ما هي السبل لتجاوز العنف ؟!!...



شاركه

عن Mehdi

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق