المثاقفة في الأنثروبولوجيا والفكر المعاصر



المثاقفة في الأنثروبولوجيا والفكر المعاصر

-         المثاقفة (Acculturation) مفهوم ينتمي إلى حقل "الانثروبولوجيا الثقافية لكنه صار جوالا بين حقول ابستمولوجية مختلفة (التاريخ،الحضارة،الفلسفة،علم الاجتماع،علم السياسة،علوم الإعلام،علوم التربية..)
-         جميع الكيانات البشرية هي كائنات حية ومتطورة بمعني أنها تنمو وتتغير وتتجدد باستمرار
-         المجتمعات البشرية لايمكن أن تستمر إلى الأبد كمجرد مستهلك عقيم  للثقافة حيث تلجأ إلى تحديثها تحت ضغط شروط وظروف ثقافية معينة (التفاعل الاجتماعي- الاتصال بثقافات أخرى.
-         المثاقفة تدل على ظاهرة تأثير وتأثر داخل الثقافات البشرية(توثر في بعضها البعض) بفعل اتصال واقع بينها مهما كانت طبيعته ومدته.
-         المثاقفة هي رد فعل كيان ثقافي تجاه تأثيرات ثقافية قادمة من خارجه وتمارس عليه بشكل مباشر أو غير مباشر.
1-    كيفية واعية مقصودة
2-    كيفية تقبلية لاشعورية
3-    تأثير قوى فاعلة في المجتمع (أجهزة إيديولوجية)

-         كل ثقافة تقوم بعملية تصدير ثقافي بحيث تنقل سماتها الثقافية الى الكيان الثقافي الآخر وفي الوقت نفسه تقوم بعملية استيراد ثقافي.
الانثروبولوجيا الثقافية تبرر هذه العملية من خلال تيارين فكريين:
1-    تيار تاريخي:

-          يعتبر أن الثقافات البشرية تتطور بفعل الانتشار وأنه ما من ثقافة بشرية خلقت كاملة ومرة واحدة والى الأبد(كل الثقافات تقوم على التفاعل والتبادل
-         كل ثقافة لديها استعداد وقابلية لاستيعاب الأفكار الجديدة بحسب درجة المقاومة والممانعة والحدود التي تفرضها البيئة الطبيعية.

2-    تيار وظيفي:

-         (يقلل من أهمية التيار الأول) من خلال تركيز الاهتمام على وظيفة الظاهرة/ المثاقفة في كل مجتمع بشري بدراسة أشكال المعرفة/ رصد تطور/ تحوّل المؤسسة الاجتماعية/ تطور أدوارها وأوضاعها/ دور المؤسسة الاجتماعية في البنية الكلية أو العامة(من الأسرة إلى المتجمع،أو من المجتمع إلى الدولة ... من الميكرو إلى الماكرو)
-         التيار الوظيفي يؤمن بالنزعة الغائية إذ لا توجد مؤسسة ما في أي مجتمع بشري نمت بالصدفة وبشكل فجائي وعشوائي (هذا التيار يمثله Franz Boas1858- 1942،الى جانب مالينوفسكي و  Radcliffe brown.

الثقافة والتنوع الثقافي في الفكر المعاصر

-         حصول تحولات تدريجية في خطاب الانثروبولوجيا الغربية التي كانت تعتبر الثقافة الغربية استثناء حيث بدأت الإرهاصات الأولى لأفكار الاختلاف الثقافي /التعدد الثقافي/ تساوي جميع الثقافات.

-         = تطور الوعي الغربي تجاه إشكالية الثقافة بنزوعه نحو الاعتراف المبدئي والتدريجي نحو تساوي جميع الثقافات البشرية.

-         اعتبر كلود ليفي ستراوس في كتابه : العرق والتاريخ  أن الازدهار الحضاري والثقافي لايمكن أن يتحقق إلا في ظروف انفتاح الثقافات على بعضها مما يؤدي الى تفاعلها وتلاقحها.

-         Race et Histoire (C.L. STRAUSSE ,Paris,Contier 1977   هو محاضرة ألقاها ستراوس بمناسبة السنة الدولية لمناهضة العنصرية،المنظمة من طرف اليونسكو سنة 1952،ينفي من خلالها وجود علاقات ضرورية ومباشرة بين تقدم الثقافات البشرية وبين ما يشار إليه على أنه تفوق وامتياز عرقي.

-         التنوع الثقافي مصدر للتجديد والإبداع والتبادل وقد أصبح ضرورة للجنس البشري تماما كما هو الأمر بالنسبة للتنوع البيولوجي في مجال الكائن الحي،لذلك بات من الضروري الاعتراف به والحفاظ عليه من أجل مصلحة الأجيال الحالية والقادمة.

-         أغلب مجتمعات الألفية الثالثة ستكون مجتمعات متعددة الثقافات وهذا يطرح الإشكال التالي: هل يجب قبول التعددية الثقافية أم رفضها؟ وماهي حدود هذا القبول وهذا الرفض (خاصة وأن المثاقفة لاتصنع متخيلا متجانسا بقدرما تؤسس لمسخ/انسلاخ هوياتي وتغريب للمجتمعات/الشعوب)

-      Sophie Bessis (L occident et les autres, Histoire d’une suprématie)

عرفت بنقدها للأطروحات الجديدة حول صراع/ صدام الحضارات بحيث تعتبرها ترتكز على التناقض الثقافي والحضاري بين الغرب والعالم العربي الإسلامي وتهمل الأسباب الفعلية للصراع والتي لاتخرج عن الهيمنة الاقتصادية من خلال "عولمة إيديولوجيا تؤمن بتفوق الغرب وترسيم هذه الصورة في المتخيل (العربي الإسلامي) إلى جانب خلق تنميط ثقافي على مستوى العالم بأسره uniformatisation culturelle (تأسيس نموذج وأسلوب محدد في الحياة والسلوك والتفكير والرغبات والتحكم في الأذواق وأنماط العيش والاستهلاك والاتجاهات الفنية والقيم الأخلاقية)

-         غايتها: تأسيس ثقافة كونية تكرس مركزية ثقافة مهيمنة تسعى للاكتساح التدريجي لفضاءات ومجالات جميع كيانات الثقافات القومية والقطرية والإقليمية والوطنية والمحلية.

-         الباحثون في الثقافات البشرية يتفقون على أن الثقافات الغازية والمستعمرة لايمكنها الانتشار والسيادة خارج مجالها الطبيعي دون اللجوء إلى توظيف القوة والعنف وتبرير الصراع والنزاعات والحروب(خلال المراحل الأولى للمواجهة مع الثقافات المغايرة)

-         أشكال القوة تتخذ شكلا مركبا ومتجانسا يعتمد الأدوات والأسلحة المادية ويجد امتداده في أشكال أخرى من طبيعة دينية أو أخلاقية أو فكرية أو سياسية أو إيديولوجية.

المثاقفة ذات طابع تاريخي انساني تتخذ أشكال متعددة في كل عصر

-         العصر القديم: انتشار العديد من مظاهر الثقافة اليونانية في القارة الآسيوية اقتفت أثر ومراحل زحف جيوش الاسكندر الأكبر.

-          اكتساح جيوش الامبراطورية الرومانية جميع مناطق حوض البحر المتوسط وهيمنة سمات الثقافة اللاتينية

العصر الوسيط: انتشار معالم الحضارة العربية الإسلامية تحت رايات المجاهدين والفاتحين.

العصر الحديث: هيمنة الثقافة الغربية الحديثة على أغلب الكيانات الثقافية في العالم بعد أن تعقبت طريق المكتشفين والمبشرين (تحت حماية الجيوش الغازية).

العصر المعاصر: ظهور خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان وفضائل التعدد الثقافي  الذي ولّد جموح ثقافة بشرية نحو الهيمنة على جميع الثقافات وخلق ثقافة إنسانية كونية (العولمة)= الهيمنة الثقافية تتحول إلى مثاقفة قهرية مفروضة داخل ثقافات ضعيفة ومهزومة وعاجزة عن إنتاج الأفكار والقيم التي تحتاج إليها مجتمعاتها (مما يعني عدم القدرة على مقاومة الهيمنة الثقافية مما يخلق للثقافات الضعيفة تبعية ثقافية
= هذه الهيمنة تصل إلى تطهير ثقافي حيث تصبح الهوية الثقافية للشعوب مهددة ومعرضة للتحول والتغيير والتفكك التام،مما يطرح سؤالا عريضا هو: ماذا يحدث لمجتمع فقد تزازنه الثقافي وبدأت تظهر عليه أعراض أزمة هوية ثقافية بسبب خضوعة لهيمنة ثقافية كاسحة لم تعد فيها ثقافته الوطنية هي المرجعية الوحيدة لأفراده،وغير قادرة على التكيف مع مكونات الثقافة الخارجية المهيمنة سواء كانت مفروضة بالعنف والقوة،أو تحت اكراهات وضغوطات قهرية لاسبيل لمواجهتها،أو لأن الفوارق ضخمة وسرعة الايقاعات كبيرة؟
 برهان غليون: التنمية الثقافية العربية بين التبعية والانغلاق- مجلة الوحدة-العدد 92- 1992).

في هذا الصدد يجب التذكير بأن "الهوية الثقافية" مصطلح ينتمي للانثروبولوجيا الثقافيةفيما ينتمي مفهوم الهيمنةHégémonie)  ) إلى علم الاجتماع السياسي،وهو مفهوم تم اغناؤه في الفكر المعاصر عن طريق أنطونيو غرامشي(1937- 1981) الذي وظفه في سياق التحليل النقدي الماركسي لهيمنة أجهزة الدولة الإيديولوجية في المجتمعات الرأسمالية لتبرير وإضفاء المشروعية على سياستها وهو مفهوم وجد امتداده مع لويس ألتوسير (1990-1918).

التنميط الثقافي: يرتبط بخطاب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان حيث اتسعت مجالات هذا الخطاب الذي صار عبارة عن دعوة إلى الاقتداء واحتضان وتبني وتطبيق نموذج الديمقراطية الغربية باعتبارها أسمى مايمكن أن تطمح البشرية إلى تحقيقه= فرانسيس فوكوياما (كتاب:نهاية التاريخ/الإنسان الأخير) يؤكد على أطروحة تدعي الامتياز الاستثنائي للثقافة الغربية لكونها أنتجت قيما ثقافية لاتوجد إلا فيها وحدها،حيث يعتبر أن الثقافة الغربية متميزة عن غيرها ومتفوقة على سائر الثقافات الأخرى بل إنها غاية التاريخ البشري ونهايته)
توصيات
-        المؤتمر العالمي للسياسات الثقافية (منظمة الأمم المتحدة 1982) تعتبر أن كل ثقافة بشرية تشكل منظومة من القيم،فريدة من توعها وغير قابلة للاستبدال،وبواسطة هذه القيم  ومختلف أشكال التعبير يتمكن كل شعب من الشعوب من تأكيد حضوره في العالم بشكل كامل.
-         الإعلان العالمي للتنوع الثقافي 2 نونبر 2001(منظمة اليونسكو) ينص على تأسيس فكر أخلاقي جديد يعمل على ضرورة احترام التنوع الثقافي لأنه تراث مشترك للإنسانية جمعاء.
 (البند 1: يتجسد التنوع الثقافي في أصالة وتعد الهويات التي تتميز بها الفئات والمجتمعات التي تتشكل منها البشرية – البند 5: إن الحقوق الثقافية تشكل جزء لايتجزأ من حقوق الانسان ذات الطابع الكوني)
خلاصات
الباحث الانجليزي : ويلي فان بيير في دراسته (صخب وهمس حول التعددية الثقافية) أكد أنه طيلة الفترة التي كان فيها الإغريق قوة عظمى في البحر المتوسط لم يصادف في انتاجهم الثقافي(الفسلفة والعلوم والأدب..) ما يدل على شعورهم بالاستعلاء والتفوق تجاه شعوب أخرى لكن هذا الشعور بدأ في الظهور والتضخم مع بداية مسلسل الهزائم السياسية والعسكرية اللاحقة (هذه الحالة صارت - حسب الباحث- تنطبق على المظاهر التي تتخذها الصحوة الجديدة للثقافة العربية الإسلامية لاعتبارين:
1-    رد الفعل على المهانة والاذلال الثقافي للعرب والمسلمين منذ بداية الاستعمار الغربي للبلاد العربية حيث ان هذه الوضعيات المأساوية تكررت على مر التاريخ البشري خاصة في ظروف الهزائم والانهيارات الكبرى التي تصاحبها مظاهر صارخة لغطرسة الثقافة الغازية وتحقيرها لماهو مختلف عنها مما يجعل المجتمعات المعتدى عليها ثقافيا تقوم بردود أفعال دفاعية كميكانيزمات دفاعية للمقاومة الثقافية تتمثل في الانطواء والعزلة عن العالم الخارجي وإذكاء مظاهر الكراهية تجاه الثقافة المعتدية،مقابل اتجاه آخر يتمسك بالثقافة المحلية/الوطنية إلى حد التعصب والمحافظة (مجتمعات محافظة) وهو ما يصطلح عليه بفكرة: الارتداد .


2-    عجز المجتمعات العربية عن إيجاد نموذج للقادة الذين يمنحون هذه الشعوب قدرا من الاهتمام مما يفرض ضرورة إصلاح الثقافات الوطنية وتجديدها لتصبح مؤهلة لاحتضان قضية الاختيار الديمقراطي في التفكير والتدبير والحكم كأس لكل مشروع حضاري تحرري وتنموي.
شاركه

عن Mehdi

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق