درس الحقيقة




توطئة :
لو استقرأنا طبيعة واشكال الفكر والخطاب البشري،فانه يتجلى لنا بكل وضوح ان الانسان حين يفكر أو يتكلم فانه يفعل ذلك من أجل الحقيقة،بل ان اقصى الحالات التي يحيد عنها(الوهم،الخطأ..)،فهذا يؤكد على ان الحقيقة كانت هي المستهدفة .

غير ان مدلولات لفظ الحقيقة تختلف تبعا لاختلاف مجالات الفكروالقول وتنوعهما.ومن تم فالحقيقي في الحقل الفلسفي يختلف عن مثيله في مجال التفكيرأوالحس المشترك،فالفلسفة في بحثها عن الحقيقة تشترط القطع مع المدلول العامي لها،اولنقل التحليل النقدي للخطابات حولها مما يمكن من بناء مفهوم دقيق للحقيقة.
ان الحقيقة كمفهوم فلسفي يثيراشكالات فلسفية سنعمل على اثارثها اولا مع جرد لأهم المحاور كالاتي:

1- الحقيقة والرأي : هل تنفصل الحقيقة عن الرأي؟ أم أن الرأي جزء من الحقيقة وطريق القبض عليها ؟ ام ان الحقيقة تتشكل عبر القطع مع الرأي ؟
2- معايير الحقيقة : ما معيار التمييز بين الحقيقة وغيرها من وهم وخطأ ؟ ما الذي يجعلنا نحكم على أن ما نحن بإزائه من أحكام وقضايا هو الحقيقة؟
3- الحقيقة بوصفها قيمة : من أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ لماذا البحث اصلا عن الحقيقة؟
هل بامكان الفكر البشري الانفصال عن الحقيقة؟ وهل توجد الحقيقة أم انها مجرد أوهام نسينا انها كذلك ؟




المحور الأول : الحقيقة والرأي
اطروحات قاربت الاشكال:
Ø اطروحة الفيلسوف : ليبتز
يرى ليبتز في سياق تحليله لطبيعة نشاط الفهم عند الإنسان، أن الرأي يمكن أن يكون مصدرا من مصادر الفهم والإدراك. إن الرأي على الرغم من طابعه الاحتمالي له دور أساسي في مجال المعرفة إذ يؤدي الانفتاح عليه إلى توسيع دائرة نشاط العقل البشري وتطوير إمكانيات البحث عن الحقيقة. وهو الأمر الذي يمكن القيام به في العلوم الإنسانية (التاريخ) لا بل حتى العلوم التي تقدم نفسها على أنها برهانية وعلى رأسها علم المنطق الذي لا تسعف قواعده دائما على استصداراحكام قطعية، مما يطرح إمكانية الاعتماد على الاحتمال كبديل معقول.

Ø أطروحة: الفيلسوف الفارابي
ينضم الفارابي للنقاش الدائرحيث يبين أن المعارف التي تقوم على بادئ الرأي، معارف عامية متداولة بين عامة الناس، لا تعبر عن الحقيقة بل و قاصرة عن بلوغها، لكون الرأي الذي ترتكن إليه يكون ظنيا ليس الا ومصدره هو الانطباعات الشخصية و الحسية. من هنا، يستنتج الفارابي أن البحث عن الحقيقة يتطلب التخلي عن تلك المعارف، والأخذ بدل ذلك بالطرق العقلية البرهانية الخاصة لكونها طرق جديرة ببلوغ اليقين على نحو ما يوجد في العلوم الرياضية والطبيعية.

المحور الثاني : معايير الحقيقة

Ø اطروحة الفيلسوف:ديكارت
بناءا على الكوجيطو وانطلاقا من ممارسة ديكارت للشك في كل معرفة يكون مصدرها الحواس أو الوسط الخارجي، انتهى ديكارت إلى استخلاص معيار يقيني في المعرفة لايطاله الشك: فلا يكون حقيقا إلا ما أدركه العقل بالحدس أولا، وكان بديهيا ومتميزا وواضحا بذاته، أو عن طريق الاستنباط وكلاهما منهجان متكاملان ويقودان إلى الحقيقة.

Ø أطروحة الفيلسوف :ليبنز
يبني ليبنز تصوره للحقيقة على انقاض التصورالديكارتي،حيث انتقد معيار البداهة لدى ديكارت، ويرى على النقيض أن الحقيقة ليست موضع إدراك حدسي أو يقيني ذاتي، مؤكدا في المقابل على أن القضية – على اعتبار أنها ذات أساس احتمالي – لا تكون حقيقيي وصادقة إلا إذا خضعت للبرهان المنطقي الذي يؤكد أنها لا تحمل اي تناقض منطقي في صورتها و في مادتها.

Ø أطروحة كانط :
ينخرط كانط في الجدال الدائر فيرى انه إذا كانت الحقيقة هي مطابقة المعرفة لموضوعها، بمعنى مطابقة الفكر للواقع، فهذا يعني أن حقيقة المعرفة تتوقف على محتواها والذي لا يمكن إخضاعه لمعيار كلي، لان الحقيقة تختلف باختلاف موضوع المعرفة، وبالتالي باختلاف الخطابات والمعارف، وحتى إن وجد هذا المعيار الكوني فإنه لا يتعلق إلا بصورة الحقيقة، أي بنيتها و وشكلها، بمعزل عن محتواها، ويتمثل هذا المعيار في مطابقة الحقيقة للقواعد الصورية وفق المنطق الصوري الأرسطي، وعلى أساس هذه القواعد نقيم الانسجام بين المعارف أمام تعذر إيجاد معيار كوني للحقيقة يشمل صورتها ومادتها معا.

ويمكن ايجازتلك القواعد كالاتي : الخلو من التناقض المنطقي ومطابقة الواقع لبنية العقل ونظامه القبلي (المقولات).


المحور الثالث : الحقيقة بوصفها قيمة
Ø تصور الفيلسوف :وليام جيمس:
يقدم وليام جيمس نظرة براغماتية إلى الحقيقة باعتبارها قيمة عملية، ومن تم فالأفكار ليست إلا أدوات للعمل والانجاز ولا تكتسب صلاحيتها في ذاتها، وانما بقدر ما تكون مطابقة للمصلحة وتسمح بالتأثيرات في الواقع وتغييره في الاتجاه الذي يحقق المردودية والمنفعة من وراء النشاط الإنساني،يقول :"ان امتلاك افكار صحيحة يعني على وجه الدقة،امتلاك ادوات ثمينة للعمل."

Ø أطروحة فريدريك نتشه :
يرى نتشه من منطلق تصوره الجينيالوجي، أن تاريخ الفكر والفلسفة على السواء ليس إلا تاريخا للوهم و الخطأ، على أن الوهم أخطر من الخطأ لأنه يصعب اكتشافه بسهولة نظرا لما يحققه من الرغبات الحيوية والنفسية للكائن، فالحقائق في نظره مجرد أوهام ومجازات واستعارات نسينا أنها كذلك لكثرة استعمالها وتداولها كالقطع النقدية التي تنمحي بصماتها فتصير معدنا ليس الا. فما نعتبره حقائق هو مجرد وسائل تم التواطئ عليها لكونها ملزمة لحفظ الحياة وضمان شروط البقاء و السلم ، فالقيم الأخلاقية مثل الخير والصبر والتسامح.. هي مجرد شعارات وهمية يؤمن بها الضعفاء والعبيد لدفع تسلط الأقوياء، وبالتالي فتلك القيم من منظور"نيتشه" هي من أكثر مظاهر الانحطاط والعدمية التي أصابت الإنسانية. ويجب لذلك طلب إرادة القوة كقيمة إنسانية التي يتحقق بها (الإنسان) الأعلى عند نتشه .





المحور1  = الرأي الحقيقة

اطروحة غ . باشلار
اطروحة ر . ديكارت


يقيم الابستيمولوجي غ.باشلار تعارضا حادا بين كل من الرأي والحقيقة،وفي نظره ان الحقيقة العلمية يتم التوصل اليها عبر العودة الى الاخطاءالماضية،ومادام الرأي دوما على خطأ ،فلا بد من هدمه لكونه يشكل عائقا حقيقيا في طريق العلم،ومن غير الممكن تعديله او تقويمه ،فهو ممثل للمعرفة العامية الشائعة التي لاترى الامور الا من زاوية النفع .


يؤكد ديكارت على ان البحث عن الحقيقة يتطلب خطوات منهجية،واولها الشك في الاراء الشائعة والاحكام المتداولة لكونها تفتقر الى التميز والوضوح،لهذا فمعيار الحقيقة لدى ديكارت هو قاعدة البداهة العقلية.ومن تم أقبل ماهو بديهي وما سواه فهو الأراء الخاطئة التي يتعين هدمها من اساسها .

المحور 2 = معايير الحقيقة


اطروحة دافيد هيوم
اطروحة مارتن هيدغر

على النقيض من ديكارت سيتبنى التجريبي هيوم  فكرة فلسفية مفادها ،ان الحقيقة بنت التجربة ولا يمكن ان تكون عقلية ،لان العقل عبارة عن صفحة بيضاء يستمد جميع معارفه من التجربة..ومحاولة منه للتدقيق في معيار الحقيقة،يبن ان موضوعات العقل البشري تنقسم الى قسمين:علاقة الافكار فيما بينها،وعلاقة الافكار بالوقائع،بالنسبة للاولى تتعلق بالحقيقة العقلية ومعيارها عدم التناقض،اما الثانية فهي الحقيقة التجريبية ومعيارها التحقق التجريببي،ويخلص الى ان الحقيقة العقلية مقدمة ضرورية  للحقيقة التجريبية.


يتبنى م.هيدغر تصورا نقديا يتمثل في الاعتراض على التصور التقليدي لمفهوم الحقيقة،وذلك من خلال عرضه لذلك للتصورالذي يرى ان الحقيقة تؤول في النهاية الى كونها ماهية الشيء ومدى تطابقه مع نفسه.لكنه يوضح ان الحقيقة ترتبط بالاحكام والقضايا.وهنا يكشف مأزق النظرية التقليدية لاننا عندما نربط الحقيقة بالمطابقة بين ما نقول مع ما يوجد،في هاته الحالة يكون الحقيقي هو الطابع المميز لمعارفنا وليس لما يوجد .



المحور 3  الحقيقة  كقيمة

اطروحة  إ. كانط
اطروحة مارتن هيدغر


من منظور اخلاقي صرف،يربط كانط بين الحقيقة والواجب الاخلاقي،فقول الحقيقة واجب اخلاقي مطلق مهما كانت السياقات والظروف والدوافع،يقول في هذا الصدد "ان قول الحقيقة واجب يتعين اعتباره بمثابة اساس وقاعدة لكل الواجبات"ومن تم فالكذب هدم للحقيقة وردم نهائي لها .(يمكن العودة الى السجال الذي دار بين كانط والفيلسوف بنيامين كونستان .)


يعرض مارتن هيدغر اطروحة  نيتشه حول قيمة الحقيقة التي تعتبرها كقيمة وجودية ،انها استجابة لضرورة حيوية،على سبيل المثال :حفظ النوع..وهذا يفيد ان الحياة هي اصل جميع القيم الاخلاقية والعقلية،مما يوجب القول ان الحقيقة كقيمة في خدمة الحياة ومادام الامر كذلك فهي خاضعة للضرورة والتغير.





شاركه

عن Mehdi

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق