في الحاجة إلى الإصلاح الديني هنا والآن



    في الحاجة إلى الإصلاح الديني هنا والآن  

ذ: عبد الحميد الصوفي

هناك اليوم عودة قوية للدين في الكثير من المجتمعات الانسانية، إلى درجة الحديث عن احتلال الدين للفضاء العمومي وتغلغل المسألة الدينية في الكثير من المجالات ( السياسة، الاقتصاد، الاجتماع، العلم....) رغم عدم موافقتنا على استخدام مثل هذه الأوصاف التي لم تصل بعد الى مستوى التحرر من الأحكام المسبقة، هذه العودة بطبيعة الحال ليست بريئة، بقدر ما يمكن مساءلتها وقراءتها في ضوء السياق الذي ننتمي إليه، سياق اختلف في وصفه، بين من يصفه بسياق العنف والحروب واختلال القيم مع تصدع المفاهيم وبين من يصفه بسياق التقدم والرفاه الاجتماعي وأمام التحديات على مستوى الفهم والتفسير، نستحضر الحكمة السبينوزية: لاشيء يستدعي الحزن ولا شيء يستدعي الفرح وإنما كل شيء قابل للفهم، ولفهم هذا التجاذب دون منافحة نكاد نتساءل: ما الأسباب التي تقف وراء الطلب المتزايد على المسألة الدينية؟ هل الدين كنص في حالة الاسلام يمكن أن يكون دافعا نحو كسب معركة التنمية والتقدم؟ هل الدين اليوم يقدم جوابا عن الأسئلة التي يطرحها الانسان؟ والى أي حد يمكن أن يشكل الدين مرجعية لاستمداد الأجوبة عن الاسئلة الكبرى؟ وكيف يوظف الدين في صناعة ملحمة العنف؟
هل يعقل أن يموت الانسان من أجل الدين؟
             إننا نشاهد عودة للدين، وانبعاثا للعامل الديني، في المجتمعات الصناعية التي دخلت عصر العلم مند فترة طويلة ومن مؤشرات طغيان المسألة الدينية، انبعاث الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية من رحم الأحزاب الليبرالية والعلمانية في الغرب أو الشرق، تديين العلوم إلى درجة الحديث عن العلوم الروحية أو الدينية، إعادة بناء الخطاب العلماني، كخطاب متصالح مع الدين وليس خطابا داعيا إلى إخراج الدين من الفضاء العمومي، أسلمة العنف.....كل هذه المؤشرات وغيرها يذكرنا بما قاله أندريه مالرو: إما أن يكون القرن الواحد والعشرين قرنا دينيا أو لايكون..ولأجل تأمل هذه العودة ، يلزم قرائتها كما هي عليه لا كما نريدها، وسعيا وراء هده الغاية، نعلن ضرورة الفصل المنهجي  بين الدين والتدين، فالموضوع الأساسي والمحوري في الدين هو الله ومنه يأتي ويتفرع كل شيء رغم اختلاف التمثلات التي يحملها المعتقدون في الدين، لذلك فأي تعريف للدين يجب أن ينطبق على جميع الديانات، من أكثرها بدائية الى أكثرها تطورا وتعقيدا، ولكي نستطيع صياغة مثل هذا التعريف، ينبغي لنا أن نبحث عما هو مشترك بين الديانات المعروفة جميعا، ونسقط من حسباننا تلك الأفكار والمعتقدات التي يختص بها دين دون آخر. حيث يحيل الدين على المعتقد الذي يحدد علاقة الانسان بالمقدس، خلافا للتدين الذي يعني في أبسط معانيه مجموع الممارسات والتعاليم التي يقوم بها الأفراد داخل المجتمع، مما يبين بالملموس الفارق بين بين الدين والتدين وكأننا نود التمييز بين المطلق والنسبي، هذا الاختلاف بين الاثنين تم اضماره من طرف المؤسسات الدينية، من أجل تشكيل نخبة وهمية تدعي حراسة النص الديني، وجعلوا من كل اعتراض أو نقد لما يعتقدون فيه، كأنه هجوم على النص المقدس نفسه، وبسبب هدا الخلط  تؤدي الشعوب الثمن الباهض، الحروب والصراعات المذهبية وفكرة الفرقة الناجية... كل هذه الوقائع في ما أعتقد هي نتاج الفكر الديني وليس الدين. فما العمل؟ في ما أعتقد أننا أمام مسيس حاجة الى القيام بإصلاح ديني شامل على اثره تتم إعادة النصوص الدينية إلى أهلها بدون وسائط. كما لا يخفى على بال أي باحث أو دارس لقضايا وهموم المجتمع، أن يلحظ بأن عدم الاجابة عن سؤال الدين في علاقته بالمجالات الأخرى، يساهم بشكل قوي في الرجات المجتمعية ويغذي العنف والتطرف، الفقر، ضياع الكائن البشري...والمستفيد الأكبر من هذا الوضع الكارثي هو الأنظمة السياسية الاستبدادية...التي تتغذى من الطائفية والتمذهب، والمدمن على قراءة التاريخ يكتشف أن الأنظمة التسلطية تدرك بقوة أن العنف لا يشكل تهديدا بالنسبة اليها بقدر ما يقويها ويشرعن مؤسساتها الفاقدة للشرعية والإجماع، لكن ما تخشاه هو اشاعة الفكر الحر، التربية على القيم، وانتشار الفكر النقدي... لذلك عوض أن تطالب المؤسسات الدينية الأفراد بالصبر على اللاعدالة الاجتماعية، وترهقهم بكثرة الفتاوى التي لاتغني ولاتسمن من جوع، عليها بالأحرى أن تطالب الأفراد باستخدام عقولهم الخاصة وعقلنة ممارستهم اليومية، فإذا كان الدين يسعى إلى بناء الكائن البشري، انطلاقا من التكريم والتشريف، فان الفكر الدينى يدفع بهذا الكائن الى العدمية والتيئيس، بمعنى اخر اذا كان الدين في خدمة الانسان، فان الانسان اليوم في خدمة الفكر الديني وربما هذا ما يفسر موت بعض الأفراد في سبيل الدين فيما يعتقدون. والحقيقة التي لا يخطئها ناظر، هي أنهم يموتون بسبب تحالف الديني مع السياسي.

بناء على الملاحظات السالفة، يبدو أننا وصلنا الى مرحلة الاختيار، أما الدعشنة (داعش) أو الإصلاح الديني كحلقة غائبة في تاريخ العرب، والعقل السليم في ما يبدو يميل إلى ضرورة استنهاض النخبة الواعية للمطالبة بإصلاح ديني راديكالي.
شاركه

عن Mehdi

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

1 التعليقات :

  1. Casino Player Magazine - JT Hub
    Experience 고양 출장마사지 the best in gaming by visiting the best in entertainment at 울산광역 출장샵 JT Casino 화성 출장안마 Hotel, one of the city's premier casino 파주 출장샵 resorts. Experience the best 부천 출장안마 gaming by visiting

    ردحذف