هل نحن في حاجة الى الفلسفة؟



أسماء عصامي.

هل نحن في حاجة الى الفلسفة؟


  ما دمنا نعيش في عصر الصورة والفرجة والاستهلاك، فإن الأمر لا يخلوا من حضور الأسئلة المقلقة في الفضاء الاجتماعي والثقافي ونخشى أيضا من رؤية اندحار مفهوم الانسانية وأشكال العيش المشترك وتصاعد الخطابات الأصولية وانتشار العنف والاقصاء والتهميش وارتفاع الأصوات المطالبة بالحقوق وتراجع خطاب الواجب، فمن يشاهد اليوم وسائل الاعلام ينتابه شعور بالقلق وعدم الارتياح. إن دماء البعض تبدو أكثر قيمة من دماء الآخرين، فدماء الأمريكي أو الأوربي أثناء الحرب أو في عملية انفجار لها قيمة أكثر بكثير من دماء العديد من الأفارقة والعرب... والأمر نفسه لدماء الاسرائليين مقارنة مع دماء الفلسطنيين، هناك نوع من تجريد الانسان من انسانيته، حيث أصبح هذا الانسان بمثابة شيء يحسب بالأرقام، وإذا كان الخطاب الفلسفي في عمقه هو دفاع عن الانسان، فإننا في مسيس حاجة إلى الفلسفة هنا والآن.
إذن الفلسفة ليست ترفا أو اختيارا من بين اختيارات أخرى، بل هي ضرورة قصوى ومستعجلة لأنها نمط من التفكير وطريقة في فهم الأمور بناءا على التساؤل والنقد والحجاج...والفلسفة أيضا هي مقاومة وصراع ضد الرداءة بجميع أشكالها وتمظهراتها، عجبا لشعب بدون فلسفة، إن أفضل نعمة أنعم الله بها على الانسان هي الفلسفة وهي معيار التمييز بين الشعوب المتحضرة والهمجية، تاريخ الفلسفة هو تاريخ المقاومة. فمن سقراط الذي ضحى بحياته من أجل معرفة الحقيقة، وقول الحقيقة عن الذات، ومقاومة خطر نسيان الذات، إلى أرسطو الذي قسم القضايا إلى صادقة وكاذبة، فتلخص منطقه في مقاومة الكذب إلى ديكارت الدي قاوم الخطأ ووضع قواعد بسيطة وواضحة ومتميزة للعقل، ثم كانط الذي رفع شعار: ( فلتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك الخاص) ثم تظهر الفلسفة كصراع ضد الوهم وبعد ذلك ضد الايديولوجيا، أليس الفلاسفة هم أولئك الذين يناهضون الديكتاتوريات، أينما حلت وارتحلت وانطلاقا مما سبق يبدو أن في غياب الفلسفة يصبح التفكير تكفيرا والابداع جريمة.
غياب الفلسفة يترك فراغا كبيرا، هذا الفراغ لا يمكن أن يعبأ إلا بالجهل والعنف ولنا شهادة واقعية وحقيقية في تاريخ الفكر الانساني، في فرنسا خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وقع حدث موت مجموعة من الأطفال داخل المستشفى، بسبب اعطائهم دم ملوث وكان الطبيب المسؤول الأول عنهم هو Michel Garreta (ولد في باريس1944) وتمت محاكمته بتهمة تعريض حياة مجموعة من الأطفال للموت وعلى اثر هذا الحدث الأليم وقعت أزمة في الضمير المهني بفرنسا وحين استمع للطبيب تبين أنه شخص متمكن من مهامه، لكنه يفتقر إلى الجرأة والشجاعة لقول الحقيقة: أثناء المحاكمة كان الطبيب يردد الكلام التالي: ماذا لو قلت الحقيقة؟ وما حقيقة الحقيقة؟ وهي أسئلة فلسفية في حقيقة الأمر، لذلك تقرر في فرنسا خلال الثمانينيات من القرن الماضي جعل مادة  الفلسفة، مادة أساسية في جميع المدارس العليا. وهذا ما تفتقر إليه المجتمعات التي تعيش خارج التاريخ، ألم يقل أرسطو: ينبغي على الانسان، إما أن يتفلسف أو يودع الحياة ويمضي من هنا، إذ يبدو أن كل ماعدا ذلك، إنما هو ثرثرة حمقاء ولغو فارغ.

تؤدي الفلسفة إلى تنمية الروح النقدية لدى الإنسان، فهو ذلك الكائن الذي ينبغي أن يرفض الوصايا والتسليم الأعمى بآراء الآخرين، فقد استطاع الفلاسفة والمفكرون بناء صرح الفكر النقدي، أمثال: كانط وماركس ونيتشه وهايدغر ودولوز...وصولا إلى فوكو وراولز.. هؤلاء ارتبطت عندهم الممارسة الفلسفية بسؤال النقد وبناء فهم جديد للإنسان وفي بلورة تصورات نقدية للذات والعالم والمجتمع والسياسة والأخلاق، ومن جهة أخرى نأسف لسوء تقدير مكانة الفلسفة في مجتمعاتنا التي تنوء تحث وطأة التخلف والاندحار، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلدان الغربية إلى انتاج وتصدير الأفكار والتصورات، نحن نحارب الفكر المتنور، ونشجع على الدوغمائية والتعصب، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن يريد الدليل الملموس، فعليه العودة إلى ما يتم تدريسه في المدارس اليوم،من أفكار بالية وتصورات خرافية، والسبيل إلى الخروج من شرنقة التخلف والانحطاط ربما قد يكون عن طريق الحث على الفلسفة وجعلها روح المنهاج التعليمي وفي هذا السياق ، نكاد نمدح الفلسفة ونقول: أيتها الفلسفة، أمة الحياة، أنت التي تقودين إلى الفضيلة وتبعدين عن الرذيلة، بدونك أنت كيف كانت ستكون حياتنا، ليس نحن فقط، بل الانسانية جمعاء. أنت استدعيت الانسانية المشتتة كي تأتلف، لقد وحدتهم بداية في المسكن، ثم بالزواج، وأخيرا باللغة والكتابة، أنت التي دونت القوانين،علمت الأخلاق والحضارة، اليك أهود، منك أطلب الغوت، لك أهب نفسي خالصة، إن يوما واحدا مقضى على هدي مبادئك أجمل من حياة خالدة مقضاة في الخطأ.من الذي يفرّج عنا كروبنا إلا أنت، أنت منحتنا راحة الحياة وخلصتنا من رهبة الموت٠

شاركه

عن Mehdi

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق