الأنشطة الموازية وترسيخ القيم.



الأنشطة الموازية وترسيخ القيم.

ذ. عبد الحميد الصوفي

إذا كانت القيم، بٱعتبارها روافد السلوك المدني وتشمل كافة مناحي الحياة العامة وتجد لها امتدادات في المنظومة المجتمعية، فإن أبعادها الأخلاقية والتربوية المتعلقة بالتنشئة الاجنماعية يقع في صميم عمل المدرسة. لكونها إحدى أبرز المؤسسات المعنية ببناء السلوك المدني لدى المتعلمين والمتعلمات وترسيخ القيم الفاضلة في وجدانهم وسلوكاتهم، من خلال استحضار وظائفها المتعارف عليها والمتمثلة في التعليم والتعلم والتربية والتكوين والتأهيل.
تشكل إذن المدرسة الوسط الأول الذي تتشرب فيه الأجيال الصاعدة القيم المرتكزة على صيانة الثوابت الوطنية وتجسد روافد الهوية وثراء الثقافة واذا كان الشعور بالانتماء للأمة وتكريس الانفتاح الايجابي على القيم الانسانية والكونية واذا لم تنجح المدرسة في بلوغ تلك الغايات، فإن المجتمع سيفقد خط الدفاع ضد كل أشكال التطرف والعنف... إن المدرسة مطالبة اليوم بأن تتجاوز تلك الأدوار العتيقة وثقافة التلقين وبأن تكون قاطرة الحداثة والتحديث واإا سلمنا بدور المدرسة، بٱعتبارها مؤسسة للتنشئة الاجتماعية في تربية وتعليم المتعلمين ثقافة القيم: فما هي القيم التي نريد؟ وعبر أي آلية يمكن ترسيخها؟.
يكتسي موضوع القيم أهمية بالغة لاعتبارات كثيرة منها:
إن القيم بما هي مجموع المبادئ والمعايير والقناعات والمثل العليا الراسخة في أعماق النفس البشرية، هي التي تعطي الوجود الانساني معنى، وتجعل الحياة جديرة بأن تحيا وهي لهذا السبب، تشكل المحدد الرئيس للسلوك البشري، بل الأساس الدي تقوم عليه كل محفزات السلوك الأخرى ودوافعه، لذلك لا يمكن الحديث عن تقويم سلوك الأفراد والجماعات، بغض النظر عن الأسس القيمية والمعيارية التي يقوم عليها ذلك السلوك.
اذن القيم هي أهم ما يجمع بين الناس، وهي في الوقت نفسه، أشد ما يفرق بينهم ويظهر أن الصراع الجوهري في عصرنا الحاضر، وحتى في العصور السالفة، ليس صراعا بين الحضارات أو الأديان أو الشعوب أو العرقيات أو حتى بين الطبقات الاجتماعية كما ترى بعض التصورات الماركسية، وانما هو بالأساس صراع بين قيم متباينة ومتعارضة ويدور هذا الصراع اليوم، أكثر فأكثر، بين منظومتين قيميتين رئيسيتين، تخضع إحداهما لمبادئ أخلاقية وإجتماعية وإنسانية وتقوم الثانية على أسس مادية وفردانية وأنانية... لهذه الأسباب وغيرها، تعتبر التربية على القيم الانسانية النبيلة هي السبيل الأقوم لاحراز التقدم والسلم وضمان التعايش والوئام والتماسك بين مختلف فئات المجتمع الواحد بل وبين مختلف المجتمعات والشعوب.
يقول الفيلسوف الهولاندي " باروخ اسبينوزا '' مثلا، وهو أحد فلاسفة القرن السابع عشر " لا شيء أنفع للإنسان من الإنسان " غير أن الناس لا يستطيعون أن يحفظوا وجودهم، وينفعوا بعضهم البعض، إلا إذا تشبعوا بقيم العقل والمودة والإخاء، وسعوا إلى ما هو مفيد لأنفسهم وفقا للعقل، ولا يتمنون لأنفسهم شيئا لا يتمنونه لسائر البشر ويتصف سلوكم بالتالي بالعدالة والإخلاص والشرف.
تحظى التربية على القيم، بالمعنى السالف الذكر، بمكانة خاصة في نظامنا التعليمي والتربوي المغربي، يتجلى ذلك في الوثائق والتوجيهات الرسمية، وفي جل الأدبيات التربوية المتعلقة بالمدرسة المغربية، فالميثاق الوطني للتربية والتكوين، مثلا، يركز على التربية على قيم المواطنة، وحقوق الانسان وممارسة الحياة الديمقراطية...وقد وجد هذا التوجه تجسيدا له في الكتاب الأبيض الذي ينص بدوره على التربية على المبادئ الاسلامية والمواطنة وحقوق الانسان والهوية الحضارية للمجتمع المغربي.
يواجه تجسيد هذه القيم على مستوى الممارسة التربوية اليومية تحديات كبيرة ومن أسباب ذلك، التفاوت الحاصل بينهما وبين بعض القيم السائدة في المجتمع، والاحتكاك المتزايد وبين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى نتيجة الثورة الاعلامية والهجرة وتعدد مصادر المعرفة وأساليب التنشئة الاجتماعية، واتساع المسافة بين ما يلقن في المدرسة وما هو معيش في المجتمع ... كل هذه العوامل وغيرها تجعل من التربية على القيم إحدى المهام الصعبة التي تواجه المدرسة والتي لا يمكن انجازها على الوجه المطلوب إلا في إطار مدرسة وطنية تحظى بثقة المجتمع وتتمتع بمنزلة رفيعة داخله، وتعمل في تناغم مع باقي المؤسسات التربوية وخاصة منها الأسرة والمجتمع المدني والسياسي.
إن تلقين القيم هو فعل تربوي بامتياز ويمكن أن يتم عن طريق الأنشطة الموازية ( المسرح، الخرجات الترفيهية، العروض الموسيقية، الرياضة المدرسية..) حيث تعتبر هذه الأنشطة من الركائز الاساسية التي تجعل من المتعلم، يفجر طاقاته الكامنة وتساعده في امتلاك مهارات جديدة تمكنه من صقل مواهبه والتعبير عن مكنوناته.


شاركه

عن Mehdi

هذا النص هو مثال لنص يمكن ان يستبدل في نفس المساحة ايضا يمكنك زيارة مدونة مدون محترف لمزيد من تحميل قوالب بلوجر.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق